فصل: فَصْلٌ: (إقْرَارُ الرَّقيقِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [إقْرَارُ الرَّقيقِ]:

(وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ وَلَوْ آبِقًا) حَالَ إقْرَارِهِ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهِ) كَمُوجِبِ تَعْزِيرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ صَحَّ إقْرَارُهُ (وَأُخِذَ) الْقِنُّ بِهِ فِي الْحَالِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ بَدَنِهِ، وَهُوَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا أَخْذَ الْمَالِ، وَلِحَدِيثِ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَمَنْ مَلَكَ إنْشَاءَ شَيْءٍ مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ) وَيُكَذِّبُهُ سَيِّدُهُ؛ فَيُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقٍ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ سَيِّدِهِ؛ أَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِإِنْسَانٍ لِيَعْفُوَ عَنْهُ، وَيَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ؛ فَيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ (فَطَلَبُ جَوَابِ دَعْوَاهُ)؛ أَيْ: الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ (إذْنٌ مِنْهُ؛ أَيْ: الْقِنِّ وَمِنْ سَيِّدِهِ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ سَيِّدِهِ)؛ أَيْ: الْقِنِّ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا يُوجِبُ مَالًا فَقَطْ) كَالْعُقُوبَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِ نَفْسِ الْمُقِرِّ؛ أَشْبَهَ إقْرَارَ غَيْرِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ إيجَابُ حَقٍّ فِي مَالِ السَّيِّدِ؛ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. وَفِي الْكَافِي إنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِقَوَدٍ عَلَى الْعَبْدِ؛ وَجَبَ الْمَالُ، وَيَفْدِي السَّيِّدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ. (وَإِنْ أَقَرَّ قِنٌّ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِمَا يُوجِبُهُ)؛ أَيْ: الْمَالَ كَجِنَايَةٍ خَطَأً وَإِتْلَافِ مَالٍ وَعَارِيَّةٍ وَقَرْضٍ، أَوْ أَقَرَّ قِنٌّ (مَأْذُونٌ لَهُ فِي تِجَارَةٍ بِمَا يَتَعَلَّقُ فِي التِّجَارَةِ)؛ (فَكَإِقْرَارِ سَفِيهٍ) لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ (وَإِنَّمَا يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) نَصَّا عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ كَالْمُفْلِسِ (قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي عَبْدٍ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ دَرَاهِمَ) فِي يَدِهِ أَنَّهُ سَرَقَهَا مِنْ رَجُلٍ وَالرَّجُلُ يَدَّعِي ذَلِكَ (فَكَذَّبَهُ سَيِّدُهُ، فَالدَّرَاهِمُ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ السَّيِّدِ فَلَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِمَالٍ فِي يَدِهِ (وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ) فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ سَرَقَ (وَيُتْبَعُ بِذَلِكَ) الْمَالِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ (بَعْدَ الْعِتْقِ) لِزَوَالِ الْمُعَارِضِ (وَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِرِقِّهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) وَإِنْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِذَلِكَ؛ قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ السَّيِّدِ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ. (وَمَا صَحَّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ) كَحَدٍّ وَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ (فَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ) دُونَ سَيِّدِهِ؛ وَإِلَّا يَصِحُّ إقْرَارُ قِنٍّ بِهِ كَاَلَّذِي يُوجِبُ مَالًا (فَسَيِّدُهُ) الْخَصْمُ فِيهِ، وَالْقَوَدُ فِي نَفْسٍ هُمَا خَصْمَانِ فِيهِ مَعًا كَمَا سَبَقَ. (وَلَا يَحْلِفُ قِنٌّ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ مَالًا. (وَإِنْ أَقَرَّ مُكَاتَبٌ بِجِنَايَةٍ)؛ أَيْ: بِأَنَّهُ جَنَى (تَعَلَّقَتْ) الْجِنَايَةُ؛ أَيْ: أَرْشُهَا (بِذِمَّتِهِ وَرَقَبَتِهِ) جَمِيعًا، فَإِنْ عَتَقَ أُتْبِعَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ (وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ سَيِّدِهِ)؛ أَيْ: الْمُكَاتَبِ (عَلَيْهِ بِذَلِكَ)؛ أَيْ: بِأَنَّهُ جَنَى؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ عَبْدٌ غَيْرُ مُكَاتَبٍ لِسَيِّدِهِ) لَمْ يَصِحَّ (أَوْ أَقَرَّ سَيِّدُهُ لَهُ بِمَالِ؛ لَمْ يَصِحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُقِرُّ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ) سَيِّدُ قِنٍّ (أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ؛ عَتَقَ) الْقِنُّ لِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ بِمَا يُوجِبُهُ (ثُمَّ إنْ صَدَّقَهُ)؛ أَيْ: السَّيِّدُ قِنَّهُ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ نَفْسَهُ بِأَلْفٍ (لَزِمَهُ) الْأَلْفُ مُؤَاخَذَةً لَهُ (بِتَصْدِيقِهِ) وَإِلَّا يُصَدِّقْهُ الْقِنُّ (حُلِّفَ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ (وَالْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ لِقِنِّ غَيْرِهِ إقْرَارٌ بِهِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ الْجِهَةُ الَّتِي يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا؛ فَتَعَيَّنَ جَعْلُ الْمَالِ لَهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ؛ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيَدِ سَيِّدِهِ. (وَالْإِقْرَارُ لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ وَنَحْوِهَا) كَثَغْرٍ وَقَنْطَرَةٍ (يَصِحُّ وَلَوْ أَطْلَقَ) الْمُقِرُّ فَلَمْ يُعَيِّنْ سَبَبًا كَغَلَّةِ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَ السَّبَبَ وَيَكُونُ لِمَصَالِحِهَا. (وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِدَارِ إلَّا مَعَ ذِكْرِ السَّبَبِ) كَغَصْبٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَجْرِي عَلَيْهَا صَدَقَةٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَسْجِدِ (وَلَا) يَصِحُّ إقْرَارُهُ (لِبَهِيمَةٍ) إلَّا إنْ قَالَ عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِهَا زَادَ فِي الْمُغْنِي لِمَالِكِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَالَ مُقِرٌّ (لِمَالِكِهَا)؛ أَيْ: الْبَهِيمَةِ (عَلَيَّ كَذَا بِسَبَبِ جِنَايَتِي عَلَى حَمْلِهَا) وَهِيَ حَامِلٌ، فَانْفَصَلَ حَمْلُهَا (مَيِّتًا، وَادَّعَى) مَالِكُهَا (أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْحَمْلَ الْمُنْفَصِلَ مَيِّتًا (بِسَبَبِهِ)؛ أَيْ: الْمُقِرَّ بِهِ (صَحَّ) إقْرَارُهُ، وَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِلَّا يَنْفَصِلُ حَمْلُهَا مَيِّتًا، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، أَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ بِسَبَبِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ؛ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهِ. (وَيَصِحُّ) الْإِقْرَارُ (لِحَمْلِ) آدَمِيَّةٍ بِمَالٍ وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ إلَى سَبَبٍ؛ لِجَوَازِ مِلْكِهِ إيَّاهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ كَالطِّفْلِ (فَإِنْ وُضِعَ) الْحَمْلُ (مَيِّتًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ) فِي بَطْنِهَا (حَمْلٌ) (بَطَلَ) إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ. (وَإِنْ وَلَدَتْ) الْمُقَرُّ لِحَمْلِهَا (حَيًّا وَمَيِّتًا) فَالْمُقَرُّ بِهِ جَمِيعُهُ (لِلْحَيِّ) بِلَا نِزَاعٍ؛ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ فِي الْمَيِّتِ، وَإِنْ وَلَدَتْ جَنِينَيْنِ فَالْمُقَرُّ بِهِ لَهُمَا (سَوِيَّةً وَلَوْ كَانَا ذَكَرًا وَأُنْثَى) كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ؛ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ (مَا لَمْ يَعْزُهُ)؛ أَيْ: الْإِقْرَارَ (إلَى سَبَبٍ يُوجِبُ تَفَاضُلًا كَإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ يَقْتَضِيَانِهِ)؛ أَيْ: التَّفَاضُلَ (فَيَعْمَلُ بِهِ)؛ أَيْ: بِمُقْتَضَى السَّبَبِ الَّذِي عَزَاهُ إلَيْهِ مِنْ التَّفَاضُلِ؛ (لِاسْتِنَادِهِ) فِي الْإِقْرَارِ إلَى سَبَبٍ صَحِيحٍ (وَ) إنْ قَالَ مُكَلَّفٌ (لَهُ)؛ أَيْ: الْحَمْلِ (عَلَيَّ أَلْفٌ جَعَلْتُهَا لَهُ أَوْ وَهَبْتهَا لَهُ) أَوْ تَصَدَّقْت بِهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَعْدَدْتهَا لَهُ؛ فَهُوَ (وَعْدٌ) لَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ؛ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ (وَلَوْ قَالَ: لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ أَقْرَضَنِيهِ؛ يَلْزَمُهُ) الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْحَمْلِ عَلَيَّ أَلْفٌ إقْرَارٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ بِمَا يُغَيِّرُهُ؛ فَلَا يُبْطِلُهُ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ (إنْ قَالَ أَقْرَضَنِي) الْحَمْلُ أَلْفًا؛ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ قَرْضٌ. (وَمَنْ أَقَرَّ لِمُكَلَّفٍ بِمَالٍ فِي يَدِهِ وَلَوْ بِرِقِّ نَفْسِهِ) مَعَ جَهْلِ نَسَبِهِ (أَوْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ قِنًّا، وَكَذَّبَهُ مُقَرٌّ لَهُ فِي إقْرَارِهِ؛ بَطَلَ) إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِهِ (وَيَقَرُّ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ مُقِرٍّ) لِأَنَّهُ مَالٌ بِيَدِهِ لَا يَدَّعِيه غَيْرُهُ؛ أَشْبَهَ اللُّقَطَةَ، وَكَذَا يَبْقَى مَنْ أَقَرَّ بِرِقِّ نَفْسِهِ وَكَذَّبَ بِهِ مُقَرٌّ لَهُ بِيَدِ نَفْسِهِ. (وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُ مُقَرٍّ لَهُ إلَى دَعْوَاهُ)؛ أَيْ: الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ؛ بِأَنْ رَجَعَ بِهِ، فَصَدَّقَ الْمُقِرَّ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِهِ (وَإِنْ عَادَ الْمُقِرُّ فَادَّعَاهُ)؛ أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (لِنَفْسِهِ أَوْ) ادَّعَاهُ (لِثَالِثٍ؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ- وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهِ- وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُقَرِّ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِثَالِثٍ عَوْدُ الْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا إلَى دَعْوَاهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَوْدُهُ إلَى دَعْوَاهُ قَبْلَ دَعْوَى الْمُقَرِّ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَفْسِه. (وَإِنْ قَالَ: هَذَا مَا أَقْرَرْت لَك بِهِ، فَقَالَ) الْمُقَرُّ لَهُ (بَلْ هُوَ غَيْرُهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ (تَسْلِيمُهُ الْمُقَرَّ بِهِ لِمُقَرٍّ لَهُ)؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ (وَيَحْلِفُ مُقِرٌّ أَنْ لَيْسَ لَهُ)؛ أَيْ: الْمُقَرِّ لَهُ (عِنْدَهُ سِوَاهُ) وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ (فَإِنْ رَجَعَ مُقَرٌّ لَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (فَادَّعَاهُ)؛ أَيْ: ادَّعَى مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ (دُفِعَ لَهُ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَظَنَّهُ لِغَيْرِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَهُ عَادَ فَادَّعَاهُ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ إمْكَانِهِ- وَلَا مُنَازِعَ لَحِقَهُ نَسَبُهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ؛ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قُدُومٌ إلَيْهَا؛ وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا.

.فَصْلٌ: [مَنْ تَزَوَّجَ مَنْ جَهِلَ نَسَبَهَا فَأَقَرَّتْ بِرِقٍّ]:

(وَمَنْ تَزَوَّجَ مَنْ جَهِلَ نَسَبَهَا فَأَقَرَّتْ بِرِقٍّ؛ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى زَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا وَلَا عَلَى نَفْسِهَا) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَا تَرْتَفِعُ بِقَوْلِ أَحَدٍ كَالْإِقْرَارِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ. (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ قَبُولِ إقْرَارِهَا (مَا لَمْ تَبِنْ) فَإِنْ بَانَتْ؛ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهَا لِأَنَّ إقْرَارَهَا عَلَى نَفْسِهَا بِالرِّقِّ وَنَفْسُهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا، فَصَحَّ إقْرَارُهَا بِهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ حَمَلَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ)؛ أَيْ: غَيْرِ مِلْكِهِ (لَمْ تَصِرْ بِهِ)؛ أَيْ: بِإِقْرَارِهِ كَذَلِكَ (أُمَّ وَلَدٍ) فَلَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ؛ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى حَمْلِهَا بِهِ فِي مِلْكِهِ، كَأَنْ مَلَكَهَا صَغِيرَةً، وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ بِأُبُوَّةِ صَغِيرٍ أَوْ بِأُبُوَّةِ مَجْنُونٍ، أَوْ) أَقَرَّ شَخْصٌ (بِأَبٍ أَوْ) أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ (بِزَوْجٍ أَوْ) أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ (بِمَوْلًى أَعْتَقَهُ قُبِلَ إقْرَارُهُ، وَلَوْ أَسْقَطَ بِهِ وَارِثًا مَعْرُوفًا) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِابْنٍ وَلَهُ أَخٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُسْقِطِ وَيُشْتَرَطُ لِلْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أُشِيرَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ)؛ أَيْ: الْمُقِرَّ بِأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ كَإِقْرَارِهِ بِأُبُوَّةٍ أَوْ بُنُوَّةٍ بِمَنْ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرُ مِنْهُ الثَّانِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَدْفَعْ بِهِ نَسَبًا لِغَيْرِهِ) الثَّالِثُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَصَدَّقَهُ)؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (مُقَرٌّ بِهِ مُكَلَّفٌ) لِأَنَّ لَهُ قَوْلًا صَحِيحًا، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ (أَوْ كَانَ) الْمُقَرُّ لَهُ (مَيِّتًا، وَيَرِثُهُ مُقِرٌّ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ وَلَدٍ) مُقَرٍّ بِهِ (مَعَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ فَلَوْ بَلَغَ) صَغِيرٌ وَعَقَلَ مَجْنُونٌ وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ ابْنًا لِمُقِرٍّ (لَمْ يُسْمَعْ إنْكَارُهُ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِقْرَارِ (وَيَكْفِي فِي تَصْدِيقِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ وَعَكْسِهِ) أَيْ: تَصْدِيقَ وَلَدٍ بِوَالِدٍ (سُكُوتُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِي ذَلِكَ ظَنُّ التَّصْدِيقِ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا) بِالْآخَرِ (تَكْرَارُهُ)؛ أَيْ: التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ نَصًّا (فَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِنَسَبِهِمَا بِدُونِهِ)؛ أَيْ: تَكْرَارِ التَّصْدِيقِ بِالسُّكُوتِ. (وَلَا يَصِحُّ مَنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ)؛ أَيْ: الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى (كَجَدٍّ أَقَرَّ بِابْنِ ابْنٍ وَعَكْسُهُ) كَابْنِ ابْنٍ أَقَرَّ بِجَدٍّ وَكَأَخٍ يُقِرُّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ بِابْنِ أَخٍ (إلَّا وَرَثَةً أَقَرُّوا بِمَنْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُورِثُهُمْ ثَبَتَ نَسَبُهُ) كَبَنِينَ أَقَرُّوا بِابْنٍ، وَإِخْوَةٍ بِأَخٍ؛ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ؛ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمْ؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُقِرُّ بِمِنْ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ بِلَا حَقٍّ، وَلِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ وَدُيُونِهِ الَّتِي لَهُ وَعَلَيْهِ وَدَعَاوِيه وَغَيْرِهَا، فَكَذَا فِي النَّسَبِ. (وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ بَعْدَ مَوْتِ مُقِرٍّ فَادَّعَتْ زَوْجِيَّتَهُ)؛ أَيْ: الْمُقِرِّ (أَوْ جَاءَتْ أُخْتُهُ غَيْرُ تَوْأَمَتِهِ، فَادَّعَتْ الْبُنُوَّةَ؛ لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ) لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ دَعْوَى، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ بِهِمْ، لَكِنْ يُعْطَى الْمُقَرُّ لَهُ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ، وَتَقَدَّمَ وَيَأْتِي. (وَلَوْ أَقَرَّتْ مُزَوَّجَةٌ بِوَلَدٍ لَحِقَهَا؛ لِإِقْرَارِهَا دُونَ زَوْجِهَا) لِعَدَمِ إقْرَارِهِ بِهِ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِامْرَأَتِهِ دُونَ (أَهْلِهَا) هَذِهِ عِبَارَةُ الرِّعَايَةِ وَفِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا لَحِقَهَا نَسَبُهُ تَبِعَهَا أَهْلُهَا كَالرَّجُلِ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ. (وَمَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، أَوْ أَقَرَّ بِعَمٍّ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَلْ) لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ نَسَبًا لَا يُقِرُّ بِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ (بَعْدَ مَوْتِهِمَا)؛ أَيْ: أَبِيهِ وَجَدِّهِ (وَمَعَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَدِّقْ؛ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ مَا فَضَلَ بِيَدِ مُقِرٍّ أَوْ كُلُّهُ)؛ أَيْ: كُلُّ مَا بِيَدِ مُقِرٍّ (إنْ أَسْقَطَهُ) مُقِرٌّ بِهِ، كَأَخٍ، أَقَرَّ بِابْنٍ، وَإِلَّا يَكُنْ مَعَ مُقِرٍّ وَارِثٌ غَيْرَهُ كَابْنٍ أَوْ بِنْتٍ لَا وَارِثَ غَيْرُهَا، وَأَقَرَّ بِأَخٍ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَوَرِثَ. (وَإِنْ أَقَرَّ مَجْهُولٌ نَسَبُهُ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بِنَسَبِ وَارِثٍ حَتَّى) بِنَسَبِ (أَخٍ وَعَمٍّ، فَصَدَّقَهُ) الْمُقَرُّ لَهُ (وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) قُبِلَ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ، كَمَا لَوْ (أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِنَسَبِ وَارِثٍ) مَعَ وَلَاءٍ حَتَّى (يُصَدِّقَهُ مَوْلَاهُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّ مَوْلَاهُ مِنْ إرْثِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ بِلَا تَصْدِيقٍ؛ لِلتُّهْمَةِ (وَمَنْ عِنْدَهُ أَمَةٌ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ؛ قُبِلَ) إقْرَارُهُ (عَلَيْهَا)؛ أَيْ: الْأَمَةِ، فَيَأْخُذُهَا مُقَرٌّ لَهُ بِهَا (وَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (عَلَى الْأَوْلَادِ) نَصًّا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ) مَنْ عِنْدَهُ (أَمَةٌ بِحَمْلِهَا مِنْهُ فِي مِلْكِهِ) ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، فَتَصِيرُ (أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَيَغْرَمُ) مُقِرٌّ بِهَا (ثَمَنَهَا لِمُقَرٍّ لَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى (الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّهُ وَطِئَ يَعْتَقِدُهَا مِلْكَهُ، ثُمَّ عَلِمَهَا مِلْكَ غَيْرِهِ) وَإِلَّا كَانَ زَانِيًا. (وَمَنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ عَلَى نَفْسِهَا، وَصَدَّقَهَا زَوْجٌ، وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ) كَانَ إقْرَارُهَا بِالنِّكَاحِ (لِاثْنَيْنِ قَبْلَ) إقْرَارِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقٌّ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ، وَلِزَوَالِ التُّهْمَةِ بِإِضَافَةِ الْإِقْرَارِ إلَى شَرَائِطِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِبَيْعِ وَلِيِّهَا مَا لَهَا قَبْلَ رُشْدِهَا (فَلَوْ أَقَامَا)؛ أَيْ: الِاثْنَانِ الْمُقَرُّ لَهُمَا بِالنِّكَاحِ (بِبَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ جُهِلَ) التَّارِيخُ (فَقَوْلُ وَلِيٍّ)؛ أَيْ: مَنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ عَلَى سَبْقِ تَارِيخِ نِكَاحِهِ (فَإِنْ جَهِلَهُ)؛ أَيْ: جَهِلَ الْوَلِيُّ أَسْبَقَهُمَا (فَسْخًا)؛ أَيْ: النِّكَاحَانِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَجُهِلَ الْأَسْبَقُ (وَلَا تَرْجِيحَ) لِأَحَدِهِمَا بِكَوْنِهَا بِيَدِهِ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ)؛ أَيْ: النِّكَاحَ (عَلَيْهَا)؛ أَيْ: الْمَرْأَةِ (وَلِيُّهَا وَهِيَ مُجْبَرَةٌ) قُبِلَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا نَصًّا، لِأَنَّهَا لَا قَوْلَ لَهَا فِي حَالَةِ الْإِجْبَارِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً، وَلَكِنَّهَا (مُقِرَّةٌ بِالْإِذْنِ، قَبْلَ) إقْرَارِهِ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا بِالْإِذْنِ، فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ كَالْوَكِيلِ. (وَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ صَغِيرَةٍ بِيَدِهِ) وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ (فَسَخَهُ حَاكِمٌ) فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (ثُمَّ إنْ صَدَّقَتْهُ إذَا بَلَغَتْ؛ قُبِلَ) تَصْدِيقُهَا لَهُ (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَادُ عَقْدٌ) لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ (فَدَلَّ أَنَّ مَنْ ادَّعَتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا، فَأَنْكَرَ، فَطَلَبَتْ الْفُرْقَةَ؛ يَحْكُمُ عَلَيْهِ) بِالْفُرْقَةِ، دَفْعًا لِضَرَرِهَا. وَسُئِلَ عَنْهَا الْمُوَفَّقُ فَلَمْ يُجِبْ فِيهَا بِشَيْءٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ) بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَقَرَّتْ هِيَ بِذَلِكَ (فَسَكَتَ) صَحَّ، وَوَرِثَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، لِقِيَامِهَا بَيْنَهُمَا بِالْإِقْرَارِ، أَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِزَوْجِيَّةِ الْآخَرِ (فَجَحَدَهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ، صَحَّ) الْإِقْرَارُ، وَوَرِثَهُ؛ لِحُصُولِ الْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ وَلَا أَثَرَ تَجَوَّزَا قَبْلَ ذَلِكَ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ ثُمَّ يُقِرُّ. وَلَا يَرِثُ جَاحِدٌ (إنْ بَقِيَ عَلَى تَكْذِيبِهِ لِمُقِرٍّ حَتَّى مَاتَ) الْمُقِرُّ؛ لِلتُّهْمَةِ فِي تَصْدِيقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ وَرَثَةٌ بِدَيْنٍ عَلَى مُورِثِهِمْ قَضَوْهُ) وُجُوبًا مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِهَا كَتَعَلُّقِ أَرْشِ جِنَايَةٍ بِرَقَبَةِ عَبْدٍ جَانٍ؛ فَلَهُ تَسْلِيمُهَا وَبَيْعُهَا فِيهِ وَالْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الدَّيْنِ، وَكَذَا إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ مَيِّتٍ. (وَإِنْ أَقَرَّ) بِدَيْنٍ عَلَى مَيِّتٍ (بَعْضُهُمْ)؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ (بِلَا شَهَادَةٍ) بِالدَّيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ؛ فَالْمُقِرُّ عَلَيْهِ مِنْهُ (بِقَدْرِ إرْثِهِ) مِنْ التَّرِكَةِ (فَإِنْ وَرِثَ النِّصْفَ) مِنْ التَّرِكَةِ؛ فَعَلَيْهِ (نِصْفُ الدَّيْنِ أَوْ)؛ أَيْ: وَإِنْ وَرِثَ الرُّبْعَ فَرُبْعُ الدَّيْنِ، وَهَكَذَا (كَإِقْرَارِهِ)؛ أَيْ: بَعْضِ الْوَرَثَةِ (بِوَصِيَّةٍ) بِلَا شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ تَعَلَّقَ بِمِثْلِهِ مِنْ التَّرِكَةِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يُوَزَّعَ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ. (وَإِنْ شَهِدَ مِنْهُمْ)؛ أَيْ: الْوَرَثَةِ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ (عَدْلَانِ أَوْ عَدْلٌ؛ حَلَفَ مَعَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ (ثَبَتَ) الْحَقُّ؛ لِكَمَالِ نِصَابِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِ مُورِثِهِمْ (وَيُقَدَّمُ) مِنْ دُيُونٍ تَعَلَّقَتْ بِتَرِكَةٍ دَيْنٌ (ثَابِتٌ بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا فَدَيْنٌ (بِإِقْرَارِ مَيِّتٍ عَلَى مَا)؛ أَيْ: دَيْنٍ (أَقَرَّ بِهِ وَرَثَةٌ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَرَثَةِ إقْرَارٌ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ التَّرِكَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَدَاءُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِمْ أَوَّلًا.

.[بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَلْفَاظِ]:

بَابُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَلْفَاظِ (وَ) مَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ (مَا يُغَيِّرُهُ) أَيْ: الْإِقْرَارَ، (مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ) مَثَلًا فَقَالَ فِي جَوَابِهِ (نَعَمْ، أَوْ قَالَ أَجَلْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ وَبِسُكُونِ اللَّامِ؛ فَقَدْ أَقَرَّ، وَهُوَ حَرْفُ تَصْدِيقٍ كَنَعَمْ.
قَالَ الْأَخْفَشُ: إلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ، وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ}. «وَقِيلَ لِسَلْمَانَ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: أَجَلْ» (أَوْ) ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَقَالَ (صَدَقْت أَوْ) قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ قَالَ (إنِّي مُقِرٌّ بِهِ، أَوْ قَالَ) إنِّي مُقِرٌّ لَك (بِدَعْوَاك، أَوْ) قَالَ: أَنَا أَوْ إنِّي (مُقِرٌّ فَقَطْ) فَقَدْ أَقَرَّ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي، أَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَثَلًا (فَقَالَ: خُذْهَا أَوْ اتَّزِنْهَا أَوْ اقْبِضْهَا أَوْ اُحْرُزْهَا، أَوْ قَالَ هِيَ صِحَاحٌ أَوْ قَالَ: كَأَنِّي جَاحِدٌ لَك، أَوْ كَأَنِّي جَحَدْتُك حَقَّك، فَقَدْ أَقَرَّ) لِانْصِرَافِهِ إلَى الدَّعْوَى، لِوُقُوعِهِ عَقِبَهَا، وَلِعَوْدِ الضَّمِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِيهَا، وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْرَرْتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَقْرَرْنَا}. وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ (لَا إنْ قَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ أَنَا أُقِرُّ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إقْرَارًا، بَلْ هُوَ وَعْدٌ بِالْإِقْرَارِ، وَالْوَعْدُ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِهِ (أَوْ قَالَ لَا أُنْكِرُ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِنْكَارِ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا قِسْمًا آخَرَ، وَهُوَ السُّكُوتُ، أَوْ قَالَ (يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُحِقًّا) لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ مُحِقًّا، أَوْ قَالَ (عَسَى أَوْ قَالَ لَعَلَّ) لِأَنَّهَا لِلشَّكِّ، أَوْ قَالَ (أَظُنُّ أَوْ أَحْسِبُ أَوْ أَقْدُرُ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الشَّكِّ (أَوْ قَالَ خُذْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ خُذْ الْجَوَابَ مِنِّي، أَوْ قَالَ (اتَّزِنْ أَوْ أَحْرِزْ، أَوْ قَالَ: افْتَحْ كُمَّك) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَقَوْلُ مُدَّعٍ (بَلَى فِي جَوَابِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا إقْرَارٌ) بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَا قَوْلُ (نَعَمْ إلَّا مِنْ عَامِّيٍّ) فَيَكُونُ إقْرَارًا كَقَوْلِهِ عَشَرَةٌ غَيْرُ دِرْهَمٍ بِضَمِّ الرَّاءِ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ؛ إذْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِثْلُهُ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمٌ بِرَفْعِ دِرْهَمٍ إذْ إلَّا فِيهِ بِمَعْنَى غَيْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}. لَكِنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا حُذَّاقُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ إذَا قَالَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ بَلَى، فَمُقِرٌّ. «وَفِي قِصَّةِ إسْلَامِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى».
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَفِيهِ صِحَّةُ الْجَوَابِ بِبَلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا نَفْيٌ، وَصِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهَا. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا؛ أَيْ: مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. (وَإِنْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (اقْضِنِي دَيْنِي عَلَيْك أَلْفًا) فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا)، فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ (إلَيَّ أَلْفًا مِنْ الَّذِي عَلَيْك) فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَهُ (هَلْ لِي عَلَيْك) أَلْفٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ (أَوْ قَالَ لَهُ أَلِي عَلَيْك أَلْفٌ، فَقَالَ: نَعَمْ) فَقَدْ أَقَرَّ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِيهِ (أَوْ) قَالَ (أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ) أَمْهِلْنِي (حَتَّى أَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ) فَقَدْ أَقَرَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُهْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ (أَوْ) قَالَ لَهُ (عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ بِمَا يَرْفَعُهُ كُلَّهُ، وَيَصْرِفُهُ إلَى غَيْرِ الْإِقْرَارِ؛ فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَطَلَ مَا وَصَلَهُ بِهِ، كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، وَكَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) فَقَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْأَلْفِ، لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي عِلْمِي أَوْ قَالَ: فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوْ قَالَ: فِيمَا أَعْلَمُ لَا إنْ قَالَ: فِيمَا أَظُنُّ؛ فَقَدْ أَقَرَّ) لَهُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ لِإِقْرَارِهِ بِالْعِلْمِ بِهِ؛ إذْ مَا فِي عِلْمُهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِ الظَّنِّ. (وَإِنْ عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِشَرْطِ قُدُومٍ) عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ) فَلِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا، أَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ قَالَ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا) لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ ثُبُوتَهُ عَلَى شَرْطٍ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ سَابِقٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، بَلْ يَكُونُ وَعَدَا، لَا إقْرَارًا، بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا تُذْكَرُ فِي الْكَلَامِ تَبَرُّكًا وَتَفْوِيضًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}. وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ سَيَدْخُلُونَهُ بِلَا شَكٍّ (أَوْ قَالَ إنْ شَهِدَ بِهِ)؛ أَيْ: الْأَلْفِ مَثَلًا (زَيْدٌ؛ فَهُوَ صَادِقٌ) أَوْ صَدَّقَتْهُ (لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا) لِأَنَّهُ وَعَدَ بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي شَهَادَتِهِ، لَا تَصْدِيقَ (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَتَقْدِيمِ الشَّرْطِ فِيمَا ذُكِرَ (إنْ أَخَّرَ) كَقَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ؛ أَوْ إنْ شَاءَ) زَيْدٌ، أَوْ إنْ شَهِدَ بِهِ زَيْدٌ (أَوْ إنْ جَاءَتْ الْمَطَرُ، أَوْ إنْ قُمْت) فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِمَا بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالتَّعْلِيقِ بِهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ مِنْ التَّنَافِي (إلَّا إذَا قَالَ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا (إذَا جَاءَ وَقْتُ كَذَا) كَرَأْسِ الشَّهْرِ بِشَرْطِ تَقْدِيمِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ؛ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ فَعُمِلَ بِهِ، وَقَوْلُهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحِلَّ؛ فَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، فَإِنْ قَدَّمَ أَدَاةَ الشَّرْطِ عَلَى الْإِقْرَارِ، كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ وَقْتُ كَذَا فَعَلَيَّ لِزَيْدٍ أَلْفٌ فَلَيْسَ إقْرَارًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَدَاةِ إنْ وَإِذَا إلَّا إذَا قُدِّمَ الْإِقْرَارُ عَلَى أَدَاةِ إذَا؛ فَإِقْرَارٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَى الْإِقْرَارِ؛ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ الصَّحِيحُ، خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ (وَمَتَى فَسَّرَهُ)؛ أَيْ: قَوْلَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (بِأَجَلٍ أَوْ وَصِيَّةٍ؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (كَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ بِغَيْرِ لِسَانِهِ)؛ أَيْ: لُغَتِهِ؛ بِأَنْ أَقَرَّ عَرَبِيٌّ بِالْعُجْمَةِ، أَوْ عَكْسُهُ (وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ مَا قُلْت) فَيُقْبَلُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إذَا أَقَرَّ عَامِّيٌّ بِمَضْمُونٍ مُحْضَرٍ، وَادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ- وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ فَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَجَعَ مُقِرٌّ بِحَقِّ آدَمِيٍّ أَوْ) رَجَعَ مُقِرٌّ (بِزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لَمْ يُقْبَلْ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ أَوْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِهِ. فَصْلٌ فِيمَا إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُغَيِّرُهُ (وَإِذَا قَالَ مُكَلَّفٌ) مُخْتَارٌ (لَهُ)؛ أَيْ: فُلَانٍ (عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ) شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثَمَنِ خَمْرٍ وَقَدَّرَهُ بِأَلْفٍ، وَثَمَنُ الْخَمْرِ لَا يَجِبُ، وَلَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مِنْ مُضَارَبَةٍ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ وَدِيعَةٍ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (لَا يَلْزَمُنِي، أَوْ) لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَاسِدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ، أَوْ) قَالَ مِنْ (ثَمَنِ طَعَامٍ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ (مُضَارَبَةٍ تَلِفَتْ، وَشَرَطَ عَلَيَّ ضَمَانَهَا أَوْ) قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (بِكَفَالَةٍ) تَكَفَّلْت بِهَا (عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ) فِيهَا؛ لَزِمَهُ الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ رَفْعٌ لِجَمِيعِ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَا يُقْبَلُ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَتَنَاقُضُ كَلَامِهِ غَيْرُ خَافٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ إقْرَارٌ بِثُبُوتِهِ، وَثُبُوتُهُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَلْفِ، وَادَّعَى مَا لَمْ يَثْبُتْ مَعَهُ؛ وَلِأَنَّهُ فِي صُورَةِ مَا إذَا قَالَ قَبَضَهُ أَوْ اسْتَوْفَاهُ أَقَرَّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِالْقَبْضِ أَوْ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَهُ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَكَتَ (أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَسَكَتَ؛ إقْرَارٌ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَرْفَعُهُ، فَبَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ الْآخَرِ؛ حُكِمَ لَهُ بِهَا.
قَالَ فِي الشَّرْحِ؛ إلَّا أَنَّهُ هَهُنَا؛ أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا إنْ عَادَ، فَادَّعَى الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ مَا يَدَّعِيه، وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ (وَإِنْ وَصَلَهُ)؛ أَيْ: قَوْلَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (بِقَوْلِهِ وَبَرِئْت مِنْهُ، أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْته أَوْ) بِقَوْلِهِ (وَقَضَيْت بَعْضَهُ) وَلَمْ يَعْزِهِ لِسَبَبٍ؛ فَمُنْكِرٌ (أَوْ قَالَ مُدَّعٍ لِي عَلَيْك مِائَةٌ، فَقَالَ) مُدَّعًى عَلَيْهِ (قَضَيْتُك مِنْهَا) وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ (عَشَرَةً وَلَمْ يَعْزِهِ) أَيْ: الْمُقَرَّ بِهِ (لِسَبَبٍ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ؛ (فـَ) هُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) نَصًّا طِبْقَ جَوَابِهِ، وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، هَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ بِدَعْوَى الْقَضَاءِ مُتَّصِلًا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَكُونُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا لِلْقَضَاءِ؛ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَمْ يُبْرِئْهُ، وَاسْتُحِقَّ، وَقَالَ: هَذِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْوَفَاءِ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذَهَّبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ ذَكَرَ السَّبَبَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي بَرِيءٌ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَإِنْ عَزَاهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِسَبَبٍ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْحَقَّ (مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ (وَقَرْضٍ) أَوْ قِيمَةُ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ ثَبَتَ سَبَبُ الْحَقِّ بِبَيِّنَةٍ، أُلْزِمَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ مُدَّعٍ لِلْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ كَانَ؛ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهُ أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَنَحْوَهُ مِمَّا سَبَقَ، فَهُوَ مُنْكِرٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِمَا سَبَقَ، مَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِسَبَبِ الْحَقِّ أَوْ يُثْبِتْ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ بِالْوَفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَأْتِيَ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَرِيقِ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ، وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ فِيهَا حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى بَقَاءِ حَقِّهِ، وَأَخَذَهُ، وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِثُبُوتِ الْقَضَاءِ بِنُكُولِهِ، وَلَوْ قَالَ مُدَّعٍ كَانَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ، قَالَ فِي التَّرْغِيبِ بِلَا خِلَافٍ.

.فَصْلٌ: [صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ فَأَقَلَّ]:

(وَيَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ فَأَقَلَّ) لَا أَكْثَرَ مِنْهُ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُقِرَّ (أَلْفٌ) فِي قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَلْفًا، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (إلَّا سِتِّمِائَةٍ) لِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَ) يَلْزَمُهُ (خَمْسَةٌ فِي قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ قَوْلِهِ لَيْسَ لَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِ يَصِحُّ (أَنْ لَا يَسْكُتَ) الْمُسْتَثْنِي بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى (مَا)؛ أَيْ: زَمَنًا (يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ بَيْنَهُمَا)، أَوْ فَصْلٍ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ فَلَمْ يَرْتَفِعْ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ؛ فَإِنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ، (وَ) بِشَرْطِ (أَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَثْنَى (مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ)؛ أَيْ: كَوْنَهُ مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَنَوْعِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَخْرَجَ بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ بِمَوْضُوعِهِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ الْعَشَرَةُ إلَّا وَاحِدًا) فَاسْتِثْنَاؤُهُ (صَحِيحٌ) لِوُجُودِ شَرَائِطِهِ (وَيَلْزَمُهُ) تَسْلِيمُ (تِسْعَةٍ) وَيَرْجِعُ إلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ (فَإِنْ مَاتُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ قُتِلُوا) إلَّا وَاحِدًا (أَوْ غُصِبُوا إلَّا وَاحِدًا، فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنَى؛ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَسَائِرُ أَدَوَاتِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ كَإِلَّا؛ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ سِوَى دِرْهَمٍ أَوْ غَيْرَ دِرْهَمٍ بِالنَّصْبِ أَوْ لَيْسَ دِرْهَمًا أَوْ خَلَا أَوْ عَدَا أَوْ حَاشَا؛ دِرْهَمًا وَنَحْوَهُ؛ فَهُوَ مُقِرٌّ بِتِسْعَةٍ، وَإِنْ قَالَ: غَيْرُ دِرْهَمٍ- بِضَمِّ الرَّاءِ- وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ؛ كَانَ مُقِرًّا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ صِفَةً لِلْعَشَرَةِ الْمُقَرِّ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً كَانَتْ مَنْصُوبَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ وَضَمُّهَا جَهْلٌ مِنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَإِنْ قَالَ لَهُ؛ أَيْ: فُلَانٌ (هَذِهِ الدَّارُ وَلِي نِصْفُهَا، أَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا، أَوْ قَالَ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ لِي؛ قُبِلَ) مِنْهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ بِمَا يُخَالِفُهُ (وَلَوْ كَانَ الْبَيْتُ أَكْثَرَهَا)؛ أَيْ: الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ جَعَلَتْ الْإِقْرَارَ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى؛ فَالْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (إنْ قَالَ) لَهُ الدَّارُ إلَّا (ثُلُثَيْهَا وَنَحْوَهُ) كَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا أَوْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ شَائِعٌ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ. وَإِنْ قَالَ عَنْ آخَرَ: لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) أَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمَيْنِ وَدِرْهَمًا، يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ فِيهِمَا) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ عُودَهُ إلَى مَا يَلِيه مُتَيَقَّنٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَاسْتِثْنَاءُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ (عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ)؛ أَيْ: الْمُقِرَّ (دِرْهَمَانِ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا يَلِيه، لِمَا تَقَدَّمَ؛ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِلْكُلِّ (وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا أَوْ) لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ (إلَّا دِينَارًا يَلْزَمُهُ الْمِائَةُ) دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرَفَ اللَّفْظَ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيه لَوْلَاهُ، وَغَيْرُ الْجِنْسِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاكٌ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَإِذَا دَخَلَ الِاسْتِدْرَاكُ بَعْدَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ جُمْلَةً كَقَوْلِهِ لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لِي عَلَيْهِ، كَانَ مُقِرًّا بِشَيْءٍ مُدَّعِيًا لِشَيْءٍ سِوَاهُ؛ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا دِرْهَمَيْنِ، وَإِلَّا ثَلَاثَةٌ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ. وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةُ آصُعَ تَمْرٍ بَرْنِيِّ إلَّا ثَلَاثَةَ آصُعَ تَمْرٍ مَعْقِلِيٍّ؛ لَزِمَهُ) الْعَشَرَةُ مِنْ التَّمْرِ الْبَرْنِيِّ، وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ. (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إلَّا آلَ لُوطٍ إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا امْرَأَتَهُ} وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إبْطَالٌ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ رُجُوعٌ إلَى مُوجِبِ الْإِقْرَارِ، فَمَنْ قَالَ عَنْ آخَرَ (لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ) لِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَبْلَهُ، فَقَدْ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ، فَبَقِيَ اثْنَانِ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ السَّبْعَةِ، فَبَقِيَ خَمْسَةٌ؛ فَهِيَ الْمُقَرُّ بِهَا (وَكَذَا). يَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمَيْنِ إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْخَمْسَةِ اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ مِنْ النِّصْفِ؛ فَيَبْطُلُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ، وَفِيهَا أَوْجُهٌ أُخَرٌ مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَبْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمَيْنِ، فَبَقِيَ دِرْهَمٌ اسْتَثْنَاهُ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ (بَقِيَ دِرْهَمَانِ اسْتَثْنَاهُمَا) مِنْ خَمْسَةٍ، بَقِيَ ثَلَاثَةٌ اسْتَثْنَاهَا مِنْ عَشَرَةٍ؛ بَقِيَ سَبْعَةٌ، وَهَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً؛ يَقَعُ ثِنْتَانِ، (وَبَطَلَ) الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ (فِيمَا) إذَا قَالَ (لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا دِرْهَمًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ فَكَذَا فَرْعُهُ (وَ) إنْ أَتَى بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مَعْطُوفًا، كَقَوْلِهِ (لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِلَّا دِرْهَمَانِ؛ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ.

.فَصْلٌ: [إقرارُ صِفَةِ التَّأْجِيلِ]:

(إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مُؤَجَّلَةٌ إلَى كَذَا؛ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي تَأْجِيلِهِ) نَصًّا لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا بِصِفَةِ التَّأْجِيلِ؛ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ سَوْدَاءُ (حَتَّى وَلَوْ عَزَّاهُ)؛ أَيْ: الْأَلْفَ (إلَى سَبَبٍ قَابِلٍ لِلْأَمْرَيْنِ)؛ أَيْ: الْحَوْلِ وَالتَّأْجِيلِ كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ وَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَسَكَتَ مَا)؛ أَيْ: زَمَنًا (يُمْكِنُهُ كَلَامٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ مُؤَجَّلَةٌ أَوْ زُيُوفٌ)؛ أَيْ: رَدِيئَةٌ (أَوْ صِغَارٌ؛ لَزِمَتْهُ) الْأَلْفُ (حَالَّةٌ جِيَادٌ وَافِيَةٌ) لِحُصُولِ الْإِقْرَارِ بِهَا مُطْلَقًا؛ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْجَيِّدِ الْحَالِّ الْوَافِي، وَمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سُكُوتِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا (إلَّا مَنْ بِبَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ)؛ أَيْ، أَهْلِهَا (نَاقِصَةٌ أَوْ نَقْدُهُمْ مَغْشُوشٌ فَيَلْزَمُهُمْ مِنْ دَرَاهِمِهَا)؛ أَيْ: تِلْكَ الْبَلْدَةِ؛ لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَى نَقْدِهَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُك وَأَجَرْتُك وَنَحْوَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ؛ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ (لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ زُيُوفٌ؛ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ)؛ أَيْ: الزُّيُوفَ (بِمَغْشُوشَةٍ) لِأَنَّهَا تُسَمَّى زُيُوفًا، وَالزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ، وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُ الزُّيُوفِ (بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ) وَلَا قِيمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَرَاهِمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ بِهِ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ (وَإِنْ قَالَ:) لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (صِغَارٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهَا بِنَاقِصَةٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ دَرَاهِمُ طَبَرِيَّةٌ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت وَلَعَلَّهُ إذَا كَانَ بِالشَّامِ، وَإِلَّا فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إرَادَةِ الْيَمَنِيَّةِ أَوْ الْخُرَاسَانِيَّةِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ (وَإِنْ قَالَ لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (نَاقِصَةٍ) فَيَلْزَمُهُ دَرَاهِمُ نَاقِصَةٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ نَاقِصَةً كَانَ إقْرَارُهُ مُقَيَّدًا، وَإِنْ كَانَتْ وَازِنَةً كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (وَإِنْ قَالَ لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (وَازِنَةٍ؛ لَزِمَهُ الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ) عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ (عَدَدًا وَلَيْسَ الْمُقِرُّ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُونَ)؛ أَيْ: أَهْلُهُ (بِهَا)؛ أَيْ: الدَّرَاهِمَ (عَدَدًا، لَزِمَاهُ)؛ أَيْ: الْعَدَدُ وَالْوَزْنُ؛ لِقَوْلِهِ مِائَةٌ وَالْوَزْنُ لِلْعُرْفِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ) وَأَطْلَقَ، أَوْ قَالَ (دِرْهَمٌ كَبِيرٌ أَوْ قَالَ دُرَيْهِمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ إسْلَامِيٌّ وَازِنٌ) لِأَنَّهُ كَبِيرٌ عُرْفًا وَالتَّصْغِيرُ قَدْ يَكُونُ لِصِغَرٍ فِي ذَاتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِقِلَّةِ قَدْرِهِ عِنْدَهُ أَوْ لِمَحَبَّتِهِ. (وَيَتَّجِهُ) إلْزَامُهُ بِدِرْهَمٍ إسْلَامِيٍّ وَازِنٍ (إلَّا مَعَ عُرْفٍ) فَإِنْ كَانَ عُرْفٌ (بِخِلَافِهِ) كَعُرْفِ مِصْرَ فِي السَّابِقِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمِ، فَيُعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ (لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ- وَلَوْ مُنْفَصِلًا- بِدَيْنٍ أَوْ بِوَدِيعَةٍ قُبِلَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ بِمَا يَقْتَضِيه (فَلَوْ) فَسَّرَهُ بِوَدِيعَةٍ ثُمَّ (قَالَ مُتَّصِلًا قَبَضَهُ أَوْ) قَالَ (تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (وَ) إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ قَالَ (مُنْفَصِلًا) هُوَ وَدِيعَةٌ؛ قُبِلَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ (أَوْ قَالَ ظَنَنْته)؛ أَيْ: الْأَلْفَ الْوَدِيعَةَ (بَاقِيًا ثُمَّ عَلِمْت تَلَفَهُ)؛ قُبِلَ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ؛ لِثُبُوتِ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ بِتَفْسِيرِهِ الْوَدِيعَةِ (وَإِنْ قَالَ) مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ: هُوَ (رَهْنٌ فَقَالَ الْمُدَّعِي) بَلْ وَدِيعَةٌ؛ فَقَوْلُ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ بِهِ تَعَلُّقًا؛ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ، وَقَالَ اسْتَأْجَرْتهَا سَنَةً أَوْ بِثَوْبٍ، وَقَالَ: قَصَّرْته لَهُ بِدَرَاهِمَ، أَوْ خِطْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (أَوْ قَالَ) لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ) فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ بَلْ (هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِك؛ فَقَوْلُ مُدَّعٍ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِدَيْنٍ، وَادَّعَى عَلَيْهِ مَبِيعًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَلِي عِنْدَهُ مَبِيعٌ لَمْ أَقْبِضْهُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ، وَفَسَّرَهُ مُتَّصِلًا بِوَدِيعَةٍ؛ قُبِلَ، أَوْ قَالَ لِزَيْدٍ (فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ وَفَسَّرَهُ مُتَّصِلًا بِوَدِيعَةٍ؛ قُبِلَ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَرَدُّهَا. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِ تَفْسِيرِهِ إنْ كَانَ (مِنْ جَاهِلٍ) أَمَّا إنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ مِنْ عَالِمٍ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى تَلَفِهَا) لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهَا عَلَيْهِ، وَدَعْوَاهُ تَلَفَهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ؛ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، بِخِلَافِ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ وَدِيعَةٍ، وَتَلِفَتْ؛ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ لُزُومِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ زَمَنٍ مَاضٍ؛ فَلَا تَنَاقُضَ (إلَّا إذَا انْفَصَلَتْ عَنْ تَفْسِيرِهِ) فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ الْأَمَانَةَ، وَلَا مَانِعَ. قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَإِنْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَأَحْضَرَهُ)؛ أَيْ: الْأَلْفَ (وَقَالَ هُوَ)؛ أَيْ: الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ (هَذَا، وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ: هَذَا وَدِيعَةٌ، وَمَا أَقْرَرْت بِهِ دَيْنٌ صُدِّقَ) مُقَرٌّ لَهُ بِيَمِينِهِ، صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ (لَهُ عِنْدِي وَدِيعَةٌ رَدَدْتهَا) إلَيْهِ أَوْ تَلِفَتْ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ، وَضَمِنَهَا؛ لِلتَّنَاقُضِ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ وَدِيعَةً بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ لَغَا وَصْفُهُ لَهَا بِالضَّمَانِ؛ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى عَقْدِهَا، وَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ (فِي هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ نِصْفُهَا) فَهُوَ إقْرَارٌ (وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ)؛ أَيْ: الْأَلْفِ أَوْ نِصْفِ الدَّارِ إلَى مُقَرٍّ لَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَلَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِإِنْشَاءِ هِبَةٍ) أَيْ: أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ إيَّاهُ، لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَكَذَا قَوْلُهُ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ) فَهُوَ إقْرَارٌ (وَهُوَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ) لِإِضَافَتِهِ إلَى مِيرَاثِ أَبِيهِ، وَمَالُ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِرْثِ أَوْ الدَّيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا تَعَيَّنَ الدَّيْنُ.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَالَ مُكَلَّفٌ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو؛ صَحَّ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ لَا إنْشَاءٌ، وَإِضَافَتُهُ إلَيْهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا عَنْهُ أَوْ عَامِلًا لَهُ فِي مُضَارَبَةٍ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَدٌ أَوْ وِلَايَةٌ، وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}. وَقَالَ فِي النِّسَاءِ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}. (وَيَصِحُّ) قَوْلُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفٌ، أَوْ فِيهِ أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، أَوْ لَهُ فِيهِ نِصْفٌ أَوْ لَهُ دَارِي هَذِهِ، أَوْ لَهُ نِصْفُهَا، أَوْ لَهُ مِنْهَا نِصْفُهَا أَوْ لَهُ فِيهَا نِصْفُهَا) فَيَصِحُّ كُلُّهُ إقْرَارًا (وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِحَقٍّ لَزِمَنِي) لِجَوَازِ إضَافَةِ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ مَالَ غَيْرِهِ؛ لِاخْتِصَاصٍ لَهُ بِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ فَسَّرَهُ)؛ أَيْ: إقْرَارَهُ بِذَلِكَ (بِهِبَةٍ، وَقَالَ بَدَا لِي مِنْ تَقْبِيضِهِ؛ قُبِلَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَقْبِيضِهِ، لِأَنَّهُ الْهِبَةُ لَا تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ قَالَ (لَهُ الدَّارُ ثُلُثَاهَا) أَوْ قَالَ لَهُ الدَّارُ (عَارِيَّةٌ، أَوْ قَالَ: لَهُ الدَّارُ هِبَةً، أَوْ) قَالَ لَهُ الدَّارُ (هِبَةَ سُكْنَى، أَوْ) قَالَ لَهُ الدَّارُ (هِبَةَ عَارِيَّةٍ؛ عَمِلَ بِالْبَدَلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ ثُلُثَاهَا أَوْ هِبَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ بِآخِرِ كَلَامِهِ مَا دَخَلَ بِأَوَّلِهِ، وَهُوَ بَدَلُ بَعْضٍ فِي الْأَوَّلِ، وَاشْتِمَالٍ فِيمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ الدَّارُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْهِبَةُ بَعْضُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ مِلْكُ الدَّارِ هِبَةً، وَحِينَئِذٍ (يُعْتَبَرُ شَرْطُ هِبَةٍ) مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَوْهُوبِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ وُجِدَ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا. (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ) زَيْدًا كَذَا (وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ) أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ (رَهَنَ) زَيْدًا كَذَا (وَأَقْبَضَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأُجْرَةٍ وَمَبِيعٍ (ثُمَّ قَالَ مَا أَقَبَضَتْ) الْهِبَةَ وَلَا الرَّهْنَ (وَلَا قَبَضْت) الثَّمَنَ وَنَحْوَهُ (وَهُوَ غَيْرُ جَاحِدٍ لِإِقْرَارِهِ) بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْقَبْضِ- وَلَا بَيِّنَةَ- وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ، لَزِمَهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْإِقْرَارِ بِذَلِكَ قَبْلَهُ؛ أَوْ بَاعَ وَوَهَبَ وَنَحْوَهُ (وَادَّعَى أَنْ الْعَقْدَ وَقَعَ تَلْجِئَةً أَوْ فَاسِدًا) وَلَا بَيِّنَةَ بِذَلِكَ (وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ عَلَى ذَلِكَ). (لَزِمَهُ) الْحَلِفُ لِاحْتِمَالِ صِحَّةِ قَوْلِ خَصْمِهِ فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ (وَلَوْ أَقَرَّ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْبَاضِ) رَهْنٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَهُ)؛ أَيْ الْمُقَرِّ بِهِ (وَأَنَّهُ أَقَرَّ يَظُنُّ الصِّحَّةَ؛ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُقِرِّ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَ هُوَ)؛ أَيْ: مُدَّعِي الْفَسَادِ (بِبُطْلَانِهِ) وَبَرِئَ مِنْهُ. (وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا، أَوْ وَهَبَ) شَيْئًا (أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا، أَوْ أَقَرَّ بِهِ)؛ أَيْ: بِمَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (لِغَيْرِهِ، لَمْ يُقْبَلْ) إقْرَارُهُ عَلَى مُشْتَرٍ أَوْ مُتَّهَبٍ أَوْ عَتِيقٍ، لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ أَنَّ الْمَبِيعَ رَهْنٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، وَيَلْزَمُهُ (أَنْ يَغْرَمَهُ)؛ أَيْ: يَغْرَمَ بَدَلَهُ (لِلْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مَا بِعْته أَوْ وَهَبْته وَنَحْوَهُ)، ثُمَّ مَلَكْته بَعْدَهُ؛ أَيْ: بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا (قُبِلَ قَوْلُهُ بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِهِ (مَا لَمْ يُكَذِّبْهَا)؛ أَيْ: الْبَيِّنَةَ (بِأَنْ كَانَ أَقَرَّ أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ أَوْ الْمَوْهُوبَ وَنَحْوَهُ (مِلْكُهُ، أَوْ قَالَ: قَبَضْت ثَمَنَ مِلْكِي، أَوْ قَالَ: بِعْتُك عَبْدِي هَذَا) أَوْ بِعْتُك أَوْ وَهَبْتُك مِلْكِي هَذَا، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَشْهَدُ بِخِلَافِ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إنَّمَا تَصَرَّفَ فِيمَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَا إذَا ادَّعَى بَائِعٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقْفًا عَلَيْهِ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مَلَكَهُ الْآنَ. (وَمَنْ قَالَ قَبَضْت مِنْهُ)؛ أَيْ: مِنْ فُلَانٍ (أَلْفًا وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ، فَقَالَ) مُقَرٌّ لَهُ: بَلْ الْأَلْفُ (ثَمَنُ مَبِيعٍ لَمْ تُقْبِضْنِيهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُقِرُّ الْأَلْفَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ ضَمَانِهَا، وَحَلَفَ عَلَى مَا يُنْكِرُهُ (وَيَضْمَنُ) الْمُقِرُّ الْأَلْفَ (إنْ قَالَ) قَبَضْت مِنْهُ أَلْفًا وَدِيعَةً، فَقَالَ: بَلْ (قَبَضَتْهُ غَصْبًا) لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِكُلِّ حَالٍ كَقَوْلِ مُقِرٍّ (أَعْطَيْتنِي أَلْفًا وَدِيعَةً فَتَلِفَتْ) فَقَالَ مُقَرٌّ لَهُ: بَلْ أَخَذْت مِنِّي الْأَلْفَ (غَصْبًا) فَيَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُقْبِضْهُ الْأَلْفَ، وَضَمِنَهُ الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الدَّافِعِ بِقَوْلِهِ أَعْطَيْتنِي.